الإعلام : قصة رافعة

2015-09-18 19:36
الإعلام : قصة رافعة
شبوة برس - متابعات - مكة المكرمة

 

عند الدقائق الأولى لسقوط رافعة الحرم المكي الشريف قال لي صاحبي: "عطنا قناة العالم لنسمع ماذا تقول..."، وبالطبع كان جوابي... لا... لأن البحث عن التشفي والشماتة في وقت الكوارث لا ينبئ إلا عن أمراض نفسية، سأرفع حواسي الخمس عن الانجرار خلفها.

هنا المدخل: قصة هذه الرافعة "الوحش" في مقابل مشاريع الحرم الشريف أعطتنا ما قبل البارحة كل قصة الإعلام الذي يجري خلف النقطة السوداء في الجدار الكبير الأبيض.

لكنه معذور أيضاً لأن هذه مطالب القراء والمشاهدين، وأيضاً سلوك الفطرة البشرية. نحن شاهدنا ما قبل البارحة مئات المقاطع والصور عن كارثة رافعة واحدة، وكل العيون "تسمرت" خلف السقوط الهائل المدوي، لكن عيناً واحدة لم تلتفت إلى مئات الرافعات الأخرى في أضخم مشروع بنائي على وجه الأرض. لم نتداول مثلاً ما قالته محطة "CNN" في نشرة أخبارها حول الحدث.... إن أعلى رافعة في هذا العالم قد سقطت في المنطقة التي تحوي وتضم أكبر تجمع للرافعات الصفراء على وجه الكرة الأرضية، ثم أضافت إلى الخبر صورة بانورامية "فوقية" تأخذ الألباب لمشاهد هذه الرافعات حول مشروع واحد.

لا نعلم مثلاً أن مشروعاً مثل توسعة الحرم المكي لم يكسر سوى الرقم القياسي الذي كان يحمله مبنى الجمرات كأضخم "كتلة تسليح خرسانية" متصلة في تاريخ البناء البشري، ولا نعلم أيضاً أن رقم مبنى الجمرات التاريخي ظل صامداً حتى ديسمبر من العام الماضي حين تجاوزه مبنى توسعة الحرم المكي، وللمفارقة لم نعرف هذه المعلومة سوى عبر مجلة "GE" المتخصصة في نوادر الابتكارات الهندسية. لا نعلم، أو يراد لنا ألا نعلم أن مشروع توسعة الحرم المكي الشريف يضم اليوم ما يزيد على خمسة آلاف مهندس، ويذهب إليه 50 ألف عامل في الوردية اليومية الواحدة، وفي أيديهم ما يناهز 13 ألف جهاز أو آلة إنشائية هندسية. لا نعلم مثلا أن ذات مجلة "GE" المتخصصة تقول: إن هذه الأرقام القياسية ستصمد لقرن كامل من الزمن، لأن البشرية لا تحتاج إلى "كتلة تسليح خرسانية" لاستيعاب خمسة ملايين زائر في اليوم الواحد إلا هنا... وفي مكة المكرمة.

وبالطبع سيبقى من البدهي بعد هذه الأرقام أن ذات المشروع هو الأغلى الذي يستحيل كسره حتى بتحالف عشر مدن عالمية تتنافس على مشاريع استضافة ذروة الألعاب الأولمبية. ويؤسفني جداً أن أقول: إن الإعلام بكل أشكاله وجنسياته كان قبل البارحة يتنافس على العناوين ويسابق على التغطية، وهذا، للحق، حقه المشروع، ولكن: هو ذات الإعلام الذي لم يتنافس ويسابق من قبل على توضيح الصورة البانورامية الفوقية لأعظم مشروع هندسي على وجه الأرض، قالت عنه مجلة متخصصة إنه صاحب أرقام قياسية لن تكسر في مائة سنة.

* بقلم : علي سعد الموسى - منقول