حكماء شبوة .. يقرأون المستقبل .. ولم ينصت إليهم

2015-06-29 11:00
حكماء شبوة .. يقرأون المستقبل .. ولم ينصت إليهم

الشريف حسين والأمير عبدالله بن محسن والشيخ محمد بن احمد بن مهدي والشيخ فريد بن محسن بن فريد

شبوة برس- خاص - الصعيد - شبوه

 

الجنوب العربي حافل برجاله منذ القدم .. ورغم قلة التعليم وندرته في عصر الآباء والأجداد الا أن الله سبحانه وتعالى قد منحهم عقولاً رصينة وحكيمة تتجلى فيها رجاحة العقل والنظرة الثاقبة التي تقرأ المستقبل ..وتتنبأ بالأحداث قبل وقوعها ليس بالسحر والشعوذة بل بما آتاهم الله من بصيرة شفافة وقلوب مبصرة .

 

عاش آباؤنا في زمن القبيلة والحروب المستعرة التي تنشب بين الحين والآخر ...وحتى وهم يتحاربون كانوا يتحلون بأخلاق الفرسان ولا يخونون ولا يغدرون ..وكانت حروبهم تحكمها قوانين الفرسان والفروسية والشهامة والنبل وقيم الرجولة .

وكان المتعلمون فيهم في ذلك الزمان من القرن العشرين بالكاد يجيدون القراءة والكتابة ..وكانت كلمة رجل القبيلة نافذة اذا نطق بها ويلتزم بها الجميع ..وكانت أمورهم تخضع للتشاور والتفاهم في السلم والحرب ..ويسمون تلك الاجتماعات الكبرى ب الوعد الذي يدعوا له شيخ القبيلة ويحضره الجميع وغالباً ما يعقد في بطون الأودية ويتناقشون علناً بصراحة تامة واضعين مصلحة البلاد نصب أعينهم .. وقد يشوب نقاشاتهم الجدل والصراخ وقد يصل الخلاف الى ان يتراشقون بالحجارة وهم متقابلون ولا تنفك حباياهم

 

وتعلوا الأصوات والضجيج وفي النهاية يصلون الى حلول مشتركة .. انه مشابه للبرلمانات اليوم .. ويخرجون بحلول ترضي جميع الأطراف ..ولم تكن الأحزاب السياسية والدينية قد ظهرت في ذلك الزمان ..ولا يمكن ان يرضى أي فرد من القبيلة أن يبيع نفسه او ولاءه للغريب مها كان .. وهو يعرف مصيره اذا شذ عن قومه وقبيلته وفضل الغرباء عليهم!!

 

وسنتناول في هذه السطور بعض المواقف والمشاهد التاريخية التي تؤكد ما نقول  وسنذكر لكم ثلاث شخصيات رئيسية وهم :

1 – الشيخ محمد أحمد بن طالب بن مهدي الخليفي الهلالي

وهو من بيت المشيخة من آل مهدي بقرى آل خليفة وكان وسيم الطلعة  قوي البنية ومشهور بالحكمة ورجاحة العقل والذكاء الوقاد

كما يتمتع بفصاحة اللسان وصياغة الشعر والبلاغة وسرعة البديهة

ومن أشعاره في ثالث الشيخ ابوبكر بن فريد في الصعيد عام 1951م:

في الشيبه الصمصوم عظم الله أجركم

                     دي يسقي العطشان من صافي زلال

والثانية كيف الخبر في المحكمة

                        هرج النطاله ما يجيب الا النطال

ورد عليه الشيخ مذيب بن صالح بن فريد :

من مات منا قولوا الله يرحمه

                        شع عادها معنا تربي في العيال

والمحكمة هذه نكيره منكره

                         قد مالها الآ عزومش يالرجال

ثم قال الشيخ ابراهيم بن محمد باجمال مولى عتق:

هذه قبايل كلها متخابره 

                       واحنا لنا تالي سطر يابني هلال

في شف تقدوم الجيوش المكبره

                        ذي رجته زاعت دلاقيم الجبال

 ومن أشعار بن طاب بن مهدي الخليفي في مناسبة مماثلة في يناير 1967م :

قالت خديجة ما تبا الزوج الغني

                    قالت تبا إلآ احمد غني ولا فقير 

باقي أحد عشر شهر يا أهل المعرفة

                    والعالن الله كيف تاية المصير

أي ستولى نظام حكم يدّمر ولا يعمّر ولا يبحث عن تنمية .. وهو ما حصل من نظام الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني لمدينة عدن وسائر الحنوب .

وقد كان الشيخ محمد احمد بن طالب الخليفي في مطلع شبابه من المعارضين للوجود البريطاني في الجنوب وخاصة عندما دخل الانجليز مشيخة العوالق العليا وخليفة وقد توجه بعض آل مهدي وخليفه الى اليمن وقابلا الامام أحمد وطلبوا منه الدعم لمحاربة الانجليز وكانت تجربة قاسية لهم في ذلك الوقت ..في تعامل عمال  الامام معهم !!

ثم عادوا الى بلادهم بعد ان تولدت لديهم قناعة كاملة ان من الأفضل لهم البقاء في الجنوب بين اهلهم وعشيرتهم ..

وكان الشيخ محمد بن احمد بن طالب من الشخصيات البارزة قولا وعملا وله كلمة مسموعة في قومه وله اتصال وثيق بجيرانه وعلاقات راسخة وخاصة مع العوالق وتحديدا مع آل فريد بن ناصر شيوخ العوالق ومع أشراف بيحان وكذلك تربطه علاقات متينة بسلاطين وامراء الجنوب في ذلك الوقت .

 

وفي عام 1965م قام الشريف حسين بن أحمد الهبيلي بزيارة وديه الى الصعيد بدعوة من الأمير عبدالله بن محسن بن فريد ..وقد حضر في وفد رسمي من أشراف بيحان ،واقيم له استقبال حافل في وادي مربون حضرته حشود كبيرة من قبائل معن ..وقيلت في ذلك الموكب الكثير من الأشعار تخللها اطلاق نار كثيف ترحيبا بقدومه والوفد المرافق له .. وكان اليمن يغلي كالمرجل والحرب الأهلية على أشدها بين الملكيين من جهة والجمهوريين من جهة أخرى ..وقد صدر المصريون الثورة على بريطانيا الى الجنوب لزعزعة الإستقرار في الجنوب .

 

وفي المساء أقام أمير البلاد عبدالله بن محسن بن فريد وليمة كبرى على شرف الشريف حسين بن احمد الهبيلي ، حضرها كبار رجال المشيخة من آل فريد ومشايخ وعقال قبائل معن ووجهاء البلاد..في قصر الأمير عبدالله في الحيد لسود.. وبعد ان تناولوا طعام العشاء .. كان كل واحد من الحاضرين يكلم الشخص الذي يجلس بجانبه !!

 

ثم تكلم الشريف حسين بن أحمد الهبيلي وقال :

ياشيخ محمد بن طالب لبا مسمر !!

فقال له : انا ما عندي شئ اقوله..

قال الشريف : مالك عذر

فرد بن طالب: وانا في وجه من؟؟

قال الشريف :كما تشاء

قال : اذا في وجهك انت والأمير عبدالله با تكلم اما في وجه الشيخ فريدبن محسن  لا !!!

قال الشريف : في وجهي انا والأمير عبدالله  خلاص تكلم!!!

ثم ان الشيخ محمد بن احمد بن طالب قال :

والله في واحد من هل بوغاسقة الحرث في بلاد اهل محمد يسني بر على البقر ويسرح البير حقه من طلوع نجمة الصبح حتى المغرب وهكذا حاله هو وجماعته من اهل بوغاسقه واهل شملول..

وفي عصر احد الأيام توجه الى قرية المصينعة ليشتري مصروف من السوق لعياله ومعه اكرمكم الله  حامله (حماره) لحمل المصروف واغدرت عليه وهو مازال في السوق ثم تهيأ للرجوع للمطرح ..واذا في مجموعة من اهل المطرح السناة في السوق خضروا لشراء مصاريف لعيالهم ..وكلهم جهران أي مصابين بالعشى الليلي بحيث لا يرون أي شئ في الليل .. وكان الظلام دامساً في تلك الليلة مما زاد من معاناتهم!!!

واجتمعوا عند كبيرهم شرمد ،وقالوا له :

- كيف الخبر كلنا جهران ولا بالعرف لرجع المطرح والليل سر.. أي ظلام دامس !!!

- قال لهم شرمد: انا عندي الحل !!!

- قالوا: الحقنا ..

- قال لهم : انا با قبض بذيل الحاملة .. وانتوا كل واحد يقبض بحشكة اللي قدامه!!!والحامله قدها تعرف الطريق وبتوصلنا المطرح !!

- قالوا : تم

ثم ان شرمد واصحابه وعددهم سبعهم طبقوا الخطة وسروا خلف الحاملة، وهم لا يرون أي شئ من الظلام !!

وبعد حوالي ساعة شموا روائح كريهة ووقفت الحاملة ورفضت السير ، قالوا : ما هذه الرائحة وين احنا ؟؟

قال لهم شرمد: احنا وصلنا المطرح ولكنا في المخوال!!! أي بقايا المجاري !!

وضج الحاضرون في المجلس بالضحك ..وقال الشريف حسين فسرها يا بن طالب؟؟؟

قال : انا ما عندي لها تفسير

قالوا له:  مالك عذر!!

ثم قال: الحاملة بريطانيا وشرمد انته يا لشريف حسين والسبعة السلاطين .. وبريطانيا با تدخلكم المخوال!!!  أي (الحمام) وستتخلى عنكم بريطانيا وسترحلون وسيأتي قوم آخرون يفسدون في الأرض .

وضج الحاضرون بالضحك .

 

هذا واحد من رجال شبوة  الأفذاذ واهل الحكمة والشجاعة والنظرة الثاقبة وبعقولهم الراجحة كانوا يقرأون المستقبل واحداثه .

رحم الله الشيخ محمد بن احمد بن طالب بن مهدي الخليفي واسكنه فسيح جناته . 

والى اللقاء في الاسبوع القادم .

 

* د علوي عمر بن أحمد بن صالح بن فريد