ما بين صنعاء وعدن

2015-03-24 09:11

 

منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م لم تخلد هذه البلاد (الشمال والجنوب) إلى الراحة مطلقا، ولم تعرف الهدوء والاستقرار والسكينة، إلا فيما ندر، فكلما استقرت لبضع سنوات كلما حلَّت بها موجة جديدة من التناحر والاحتراب الأهلي والتصارع الحزبي والسياسي الداخلي وانتعشت المؤامرة الخارجية حولها، وكأن اللعنة قد أصابتها ولن تنفك منها ولن تتركها مطلقا، والعياذ بالله.

 

الشمال في دوامة من الصراعات وتصفية الحسابات المستمرة، والجنوب كذلك واجهته منعطفات خطيرة واضطرابات كثيرة، وحلت به وبأهله مآسٍ ومتاعب لا حصر لها، وأدت به (الوحدة) المزعومة إلى الجحيم، وما يزال يعاني منها ويحصد نتائجها السيئة إلى الآن.

 

هناك من لا يريد لهذه البلاد أن تستقر ولا أن تنعم بالأمن والأمان والتنمية والحياة السعيدة المزدهرة كبقية البلدان المحيطة بنا والقريبة منَّا والبعيدة عنَّا كذلك، فالعالم وصل القمر منذ عشرات السنين، ويبحث أيضا عن إمكانية العيش والحياة في كواكب أخرى، ونحن مانزال مشغولين بالهرطقات السياسية الساذجة، وبالتمنطق والتفاخر بالسلاح وبالدفع نحو الاحترابات والتوترات الداخلية والتحشيدات العسكرية والقبلية واستحضار النزعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والجهوية، والذين من حولنا يسخرون منَّا ويدفعون بنا إلى الجحيم والهلاك، ونحن - للأسف - لم نتعظ ولم نعتبر ولو لمرة واحدة مما جرى لنا طوال كل هذه السنين - (أكثر من نصف قرن)، هي عمر ثورتي سبتمبر وأكتوبر - من المآسي والويلات، والحروب والثآرات السياسية والقبلية والعنتريات الحزبية.

 

صنعاء الآن في مستنقع من الفوضى والجحيم، والتفجيرات والاغتيالات والوضع فيها غير مستقر، وعدن مثلها تتكالب حولها المؤامرات، والأوضاع فيها لا ندري إلى أين ستسير، والغموض يلف كل شيء، والمواطنون لا يعلمون ماذا تخفي لهم الأقدار، وهناك من يريد أن تنزلق الأمور في هذه البلاد (جنوبا وشمالا) إلى ما لا تحمد عقباه، وربما تتطور الأوضاع إلى ما هو أبعد وأسوأ من ذلك، ونسأل الله السلامة.

 

الحوثيون وصلوا إلى (العاصمة صنعاء) وإلى عدد من المحافظات الشمالية، ولم يستطيعوا حتى الآن أن يفعلوا شيئا سوى تأزيم الأوضاع، وانفلات الأمن وازدياد موجة الاغتيالات والاحترابات، وما يزال الرئيس المخلوع (صالح) يفعل فعله في المشهد الراهن ويخلط الأوراق بحقد، ويتحالف مع الحوثيين ولو عن بعد - لكن هذا البعد بات مكشوفا - وفي عدن والجنوب عامة، هناك من يريد أن يبعث بالأمور وبالأوضاع بطريقة سمجة، والحراك الجنوبي السلمي لم يتقدم خطوة واحدة منذ ميلاده في عام 2007م، وما يزال يناضل بالشعارات وتنقصه الأفعال ولغة وأسلوب التأثير، ولهذا ليس بمستغرب أن تدخل الساحة الجنوبية أطراف أخرى تريد سحب البساط منه وتجييره لصالحها ومصادرة وتأميم القضية الجنوبية بأبسط الوسائل وبأقل التكاليف.

 

فالمؤامرة التي تواجه هذه البلاد كبيرة وخطيرة جدا، وإذا حلَّت المصيبة - لا سمح الله - سيذهب (الجنوب والشمال) معاً إلى (حرب أهلية) لا تبقي ولا تذر، ولن تخمد نيرانها بسهولة، فكل الشعب أصبح اليوم مسلحا، والجميع يتكلم بلغة الرصاص والبارود، فأين العقلاء، وهل لنا أن نتعظ وأن نستفيد مما مر بنا من حروب واقتتال، ومنها بالذات حرب 1994م؟.

 

الجنوب دخل (الوحدة) بنوايا حسنة وصادقة، ولكن (الأخوة الشماليين) كانت نواياهم سيئة وشريرة وقذرة، ونفوسهم غادرة وعيونهم على الجنوب وثروته وأرضه وبحره وجباله، ولم يكن لديهم أي مشروع وطني، والرئيس هادي قبل أن يتحمل مسؤولية الرئاسة في ظروف معقدة وصعبة للغاية - وبنوايا حسنة أيضا - ولكن (كرسي الرئاسة) الذي جلس عليه كان (ملغوما) وكانت النوايا السيئة مبيتة له وفي انتظاره، فتآمر عليه كل من حوله، وفي مقدمتهم الرئيس المخلوع (صالح) وشركاؤه الحوثيون، ومن في فلكهم من المتنفذين والمرتهنين للولاءات والطاعات وباعة الذمم.

 

وما حصل في عدن ولحج وصنعاء يومي (الخميس والجمعة) من مصادمات وقتل وتفجيرات - وبقية التفاصيل معروفة - شيء مؤسف ومؤلم، وهو يأتي في سياق جر هذه البلاد إلى الفتنة والاقتتال والاحتراب الأهلي، فهذه البلاد لم تسلم من صراعات الدول حولها والأطماع فيها، فالكل يعرف بالصراع الإيراني - السعودي، كما سبق أن تصارع فيها البريطانيون والأتراك والروس والأمريكان، أثناء (الحرب الباردة وتقاسم المصالح) وشهدت أيضا على أرضها الصراع المصري - السعودي، عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م (حرب الجمهوريين والملكيين) ومازالت الأطماع الأجنبية قائمة، وفي حالة تصاعد مستمر والعيون مفتوحة على (الجنوب والشمال) على حدٍ سواء، وطبول الحرب بدأت تدق.

 

فالجنوبيون الآن أمام امتحان عسير وصعب، والرئيس هادي الذي يمارس الآن مهامه الرئاسية من (العاصمة عدن) في وضع لا يحسد عليه، وحمل خطابه الذي ألقاه مساء السبت، وهو أول خطاب له منذ خروجه من صنعاء إلى عدن، الكثير من الإيضاحات حول الوضع القائم في البلاد، ولا ندري ماذا تخبئ الأقدار!.

* الأيام