دول الخليج تتجه نحو تخفيض الدعم للمحروقات

2014-11-04 03:38
دول الخليج تتجه نحو تخفيض الدعم للمحروقات
شبوه برس - رويترز
تجاوباً مع أوضاع السوق وحفاظاً على معدلات التنمية الحالية
 
أوضح تقرير لوكالة رويترز أن دول الخليج تتجه نحو تخفيض الدعم على المحروقات.
وعزت الوكالة ذلك إلى التحديات التي تواجهها التنمية الخليجية مع تراجع أسعار النفط وتنامي الاستهلاك المحلي من المحروقات.

وقالت الوكالة: عندما قالت الحكومة الكويتية الشهر الماضي إنها تعتزم رفع أسعار وقود الديزل والكيروسين في البلاد، انتقد بعض الكويتيين هذه الخطوة على موقع تويتر. مضيفة: قد يواجه المسؤولون في الكويت وبعض الدول الخليجية الأخرى مزيدا من الضغوط. فبعد أن دللت هذه الدول مواطنيها لعقود من الزمن وقدمت لهم برامج رعاية اجتماعية سخية من المهد إلى اللحد، يتجه بعضها إلى تقليص تلك المزايا، مع هبوط أسعار النفط العالمية الذي يضغط على المالية العامة للدولة.
وزادت أن إجراءات التقشف محدودة إذا ما قورنت بالثروة النفطية المقدرة بعشرات المليارات من الدولارات التي تنفقها الدول الخليجية على برامج الرعاية الاجتماعية، للحفاظ على السلم الاجتماعي في أعقاب الربيع العربي عام 2011، لكن عند النظر إلى الأمر برمته نجد أن خطط التقشف ربما تكون أول جهد حقيقي تبذله دول الخليج الغنية لترشيد النفقات، منذ هبوط أسعار النفط في التسعينات وصولا إلى إصلاحات أكبر في المستقبل.
وفي الشهر الماضي قال وزير الشؤون المالية العماني درويش البلوشي لرويترز، إن من المرجح أن تبدأ حكومته في خفض الدعم في العام القادم وإن هبوط أسعار النفط جعل الرأي العام أكثر تقبلا لهذه الفكرة.وأبدى اعتقاده بأن المواطنين سيكونون أكثر تفهما حاليا، مضيفا أنهم يدركون أن استغلال الثروة الطبيعية يشوبه إفراط وإهدار.
وفي الكويت وافقت الحكومة على تقرير أعدته لجنة تابعة لوزارة الكهرباء والماء بخصوص خفض دعم وقود الديزل والكيروسين، وهو ما قد يرفع تكلفتهما على المستهلكين إلى أكثر من ثلاثة أمثالها.
وقال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الكويت أنانثا كريشنان براساد لرويترز الشهر الماضي بعد محادثات مع الحكومة إنه رصد قوة دافعة جديدة للإصلاح. وأضاف «بعد فترة طويلة أتوقع بعض الإصلاحات على الصعيدين المالي والهيكلي والأمور تتحرك، وأعتقد أن الحكومة والبرلمان يدركان أنه رغم أن نموذج التنمية الحالي القائم على استخدام إيرادات النفط... نجح حتى الآن في تحقيق النمو إلا أنه غير قابل للاستمرار في المستقبل مع تزايد المخاطر العالمية».
احتياطات النفط
لم يتسبب هبوط أسعار النفط في اقتراب أموال الكويت من النفاد. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الكويت تحتاج لسعر يبلغ 54 دولارا فقط لبرميل النفط، كي تحقق التعادل بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة وهو أقل بكثير من السعر الحالي لخام برنت الذي يقترب من 85 دولارا للبرميل.
لكن الدعم الحكومي الذي يذهب معظمه للطاقة يلتهم نحو 5.1 مليار دينار (17.7 مليار دولار) سنويا أو ما يقرب من ربع الإنفاق المتوقع للحكومة الكويتية في السنة المالية الحالية. 
ويهدر الدعم النفط والمال ولا يترك هذا للمستهلكين حافزا يدفعهم للحد من استخدامهم للوقود أو الكهرباء بل ويشجع على تهريب الوقود إلى دول مجاورة.
وعلى سبيل المثال يمكن للكويتي ملء خزان سيارته كثيفة استهلاك الوقود بسعر 0.24 دولار للتر، وهو أحد أدنى الأسعار في العالم، مقارنة مع نحو 2.01 دولار للتر في بريطانيا.
وتعلم الحكومة أنه لا جدوى اقتصادية من الدعم، وأنه قد لا يستمر في الأمد البعيد، إلا أنها أحجمت عن اتخاذ خطوة خفض الدعم التي لا تلقى قبولا شعبيا. لكن يبدو أنها تجد لنفسها غطاء سياسيا يتمثل في ضعف أسعار النفط في الوقت الراهن.
وفي الأسبوع الماضي أشار أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى تراجع أسعار النفط، حين قال أمام البرلمان «إنني أدعوكم حكومة ومجلسا لتحمل مسؤولياتكم الوطنية لإصدار التشريعات واتخاذ القرارات اللازمة التي تحمي ثرواتنا النفطية والمالية، والتي هي ليست ملكا لنا فحسب، بل أيضا حق للأجيال القادمة، علينا أن نستغلها الاستغلال الأمثل، لضمان استمرار بناء الإنسان الكويتي ونمو اقتصادنا الوطني».
ولم تعلن الحكومة حتى الآن عن موعد رفع أسعار الكيروسين ووقود الديزل، لكن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) قدرت في تقرير نشر في وقت سابق هذا العام، أن يوفر خفض دعم وقود الديزل نحو مليار دولار سنويا للحكومة.
وفي الواقع لا تستخدم كثيرا من الأسر كميات ضخمة من وقود الديزل أو الكيروسين في الكويت، إذ أن الشركات هي المستهلك الرئيسي لهما.
ويستطيع الكويتيون تحمل الزيادة في الأسعار دون عناء، حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل نحو 48 ألف دولار وهو أحد أعلى المعدلات في العالم.
لكن يجري إعداد بعض الإصلاحات الأخرى. فقد قررت الحكومة في سبتمبر خفض البدلات التي تمنحها للكويتيين الذين يسافرون للعلاج بالخارج بنسبة 58 بالمئة.
وكانت هذه البدلات تبلغ في الأصل 300 دينار في اليوم لكل مريض ومرافقين اثنين له.
وفي الشهر الماضي استبعد وزير النفط الكويتي علي العمير رفع أسعار البنزين وغاز الطهي في الوقت الحالي، لكن المسؤولين يبحثون رفع أسعار الكهرباء والماء. وتبلغ تكلفة الكهرباء المنزلية فلسين فقط (0.7 سنت) لكل كيلووات/ساعة، وهو أحد أدنى الأسعار في العالم لذا يترك الكثيرون أجهزة تكييف الهواء في منازلهم مفتوحة حتى وهم خارجها. وتقدر تكلفة إنتاج الكهرباء بما بين 30 و 40 فلسا تقريبا لكل كيلووات/ساعة.
ومن شأن رفع تكاليف المرافق أن يمس إحساسا لدى بعض المواطنين الكويتيين باستحقاق تلك الخدمات. فحينما حاول وزير الكهرباء هذا العام إجبار المستهلكين على سداد فواتير الكهرباء غير المدفوعة وسمح للمواطنين بدفع نصف ديونهم على الفور والباقي على دفعات خلال 18 شهرا، اتهم أحد أعضاء البرلمان الوزير بأنه غير متحضر.
وقال وزير المالية أنس الصالح لرويترز لدى سؤاله عن سبل إقناع السلطات للعامة بضرورة خفض الدعم إن ذلك سيتم عن طريق التحدث بشفافية وصدق مع المواطنين.
وقال محمد السقا أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت «بالطبع سيقاوم الناس أي محاولة لزيادة الأسعار ورفع الدعم. أنا متأكد من أن الأمر لن يكون سهلا. لكن سيتعين على الحكومة الشروع في ذلك، إنها عملية جراحية ينبغي أن نجريها».
سلطنة عمان
تحوز سلطنة عمان احتياطيات نفطية ضئيلة إذا ما قورنت بجيرانها. وإذا ظلت أسعار الخام قرب 85 دولارا للبرميل ستعاني الحكومة فيما يبدو من عجز في موازنة العام المقبل. لذا تواجه السلطنة ضغوطا مالية أكبر لخفض الدعم.
وأحجم البلوشي عن ذكر تفاصيل بخصوص الدعم الذي قد يتم خفضه لكنه في الماضي وصف البنزين بأنه هدف واضح. وقال الوزير إن نظام الدعم الحكومي غير عادل لأنه يفيد الأغنياء بقدر ما يفيد الفقراء.
وعبر عن اعتقاده بأن ترشيد الدعم وتوجيه الأموال التي سيوفرها ذلك لدعم أولويات أفضل سيعود بلا شك بالنفع على شعب عمان.
وأبرزت تصريحات الوزير وجها للإصلاحات في الخليج، ألا وهو أن جزءا على الأقل من الأموال التي سيوفرها الإصلاح قد يستخدم في زيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، ربما من خلال مدفوعات نقدية مباشرة وهو ما من شأنه أن يحد من التأثير على الموازنة العامة.
وتسعى البحرين أيضا لإجراء إصلاحات. ففي ديسمبر الماضي أعلنت السلطات المعنية بالنفط والغاز في البحرين أنها سترفع سعر البيع المحلي لوقود الديزل إلى المثلين تقريبا بحلول 2017، لكن لم تمض البلاد قدما في رفع الأسعار بعد احتجاج بعض أعضاء البرلمان. والآن قد يضغط هبوط أسعار النفط على الحكومة لإحياء هذه الخطة من جديد.
السعودية
ولم تظهر بعد أي علامات على أن السعودية أكبر اقتصاد في المنطقة تتحرك باتجاه معالجة الدعم. وفي مايو 2013 قال وزير الاقتصاد والتخطيط محمد الجاسر خلال مؤتمر في الرياض إنه ينبغي خفض الدعم.
وتعكف المملكة على إجراء تغييرات كبيرة في سوق العمل بالمملكة لدفع المزيد من المواطنين إلى العمل بالقطاع الخاص ومن ثم فإنها قد تفضل استكمال هذه الإصلاحات قبل رفع أسعار الطاقة على الشركات والأسر.
ورفعت الإمارات العربية المتحدة أسعار الطاقة بنسبة 26 بالمئة في عام 2010، لكن الأسعار ما زالت منخفضة جدا بالمعايير الدولية ولم يتم الإعلان عن خطط جديدة.
لكن في الأجل الطويل قد يدفع التقدم في الكويت وسلطنة عمان صناع السياسات الاقتصادية في دول الخليج على السير في هذا الاتجاه.
وقال جون سفاكياناكيس المدير الإقليمي لشركة أشمور لإدارة الاستثمارات في الرياض «دائما ما يكون خفض دعم الطاقة مسألة صعبة بالنسبة لجميع الاقتصادات الخليجية، لكنه على المدى الطويل سيعود بالنفع على الاقتصاد الأوسع نظرا لأن الدعم الحكومي هو تشويه هيكلي للأسعار وعبء على الموازنات العامة».