دار الشؤون الثقافية العامة في العراق .. تضيء برموز الفكر والادب

2012-12-16 21:47
دار الشؤون الثقافية العامة في العراق .. تضيء برموز الفكر والادب
متابعات

نظمت دار الشؤون الثقافية العامة اصبوحة ثقافية جميلة تحمل عنوان (بين قلم الاديب وحبر السياسة) برعاية مديرها العام السيد نوفل ابو رغيف للاحتفاء بالكاتب والمفكر الكبير الدكتور (عبد الحسين شعبان) تضيئها نخبة متميزة من المبدعين والباحثين والمثقفين بمناسبة صدور كتابيه (الجواهري وسعد صالح) عن هه الدار.
حملت هذه الاصبوحة الكثير من المجد والوفاء والوعي والجمال لمفكر استطاع بادبه الجم وثقافته المعمقة ووعيه القانوني ان يناقش بعض من دعاة التزمت والظلام وكانوا يتساقطون امام ضوئه وتماسك منطقه، انه عنوان مهم من عناوين العراق الذي به وامثاله من المفكرين العراقيين يمكن لبلدنا ان يفخر ويباهي العالم، وهو يحل في دار الشؤون الثقافية العامة التي فتحت ابوابها لمفكري العراق وحملت راية الثقافة وهمومها وهي تقود طلائع المثقفين الى حافات العالم من خلال بصيص امل وضوء انفلت من كوة الظلام واصبح شمسا للثقافة العراقية اشرقت من هذه الدار فاضائت العراق.
ادارالحفل الاستاذ د.عقيل مهدي المندلاوي الاكاديمي في كلية الفنون الجميلة ليقدم نبذة مختصرة عن حياة الاديب المحتفى به ومؤلفاته وبعد الاستماع الى السلام الجمهوري تقدم الاستاذ نوفل ابو رغيف (راعي الحفل) ليلقب كلمته بعنوان (في ثلاثية الجواهري وسعد صالح وعبد الحسين شعبان) واصفا المثقف حين يكون صنو نفسه ونسيج وحده وفضاء من المعرفة لايملؤه سواه.. كما هي الحال تمام مع من نحتفل بمنجزه ونتامل في ملامح تجربته، وهو يفتح للتسامح افقا جديدا مكتنزا بالحوار وبالاخر وبالقادم، وعلى وفق قراءة انتاجه بما يلبي دعوة واقع عربي / اسلامي/ شرقي يكاد يطبق على الناس.
متحدثا عن تجربته الفكرية والتاريخية التي قدمها الدكتور شعبان.. فهو مؤرخا راكزا، وسياسيا مخضرما وصحفيا وناشطا يجيد فهم الحياة ويتقن اسرارها..
وقد حملت شهادته الصدق والاعجاب.. باستحضار لحظة مما تناثر في الفضاء الذي تسبح فيه هذه الاصبوحة.
اضافة الى اشادته باللغة العلمية الذكية التي يمتلكها شعبان والتي تحكم أفقه الاقتصادي المتوازن، وانثيالات شعرية تعكس موقعه المائز في تضاريس الادب الذي يطلع من رائحة النجف الاشرف ليطوف العالم على جناحي يراع طالما سافر في سوح العلاقات الدولية وابعادها.
فالقارىء لايشعر بحدود اللغة او اسوار الكلمات ومفازاتها.. كيف لا؟ وهو يقرأ مايندر ان يجيء سوى بقلم الدكتور شعبان.. في برنامج متصل متواصل من البحث والكتابة والتأمل بهاجس المسؤولية.. والرسم بالافكار. وعبر ابو رغيف عن تفائله بعودته لاحضان بغداد معربا عن سعادته به وحرصه على امتداد هذا الحضور.. فقد كانت وزارة الثقافة العراقية محظوظة وهي تقدم عبر دار الشؤون الثقافية العامة جدلا شعبانيا من طراز خاص حين اعدنا قراءة الجواهري بطبعة مميزة في بغداد، ليطل علينا (جدل الشعر والحياة) من جديد، متنا يتلاقى عنده الادب بالتاريخ والمواقف بالقصائد والشعر بالسياسة وفي شأنه هذا الكتاب يجدر القول ان من المفارق ان يكون الاهتمام بالجواهري الشاعر والظاهرة واسع الحضور في المشهد الثقافي فضلا عن الاعلامي في عراق مابعد انهيار الدكتاتورية. في رد فعل حضاري على سنوات القمع التي حاصرته في عراق الامس.
فلم يستقبل المشهد الثقافي عملا متكاملا جديرا بتمثيل الحضور المؤثر للجواهري شعرا وتاريخا ومواقف على نحو كلي.. ولم تجد (الشؤون الثقافية) مما احاط به افق اطلاعها منذ التغييرـ على الاقل ـ ماهو اكثر قربا وتمثيلا لحضور شخصية الجواهري وملامحها البسيطة والمركبة معا. من كتاب (الجواهري جدل الشعر والحياة(. ولذا حرصت الدار على الاحتفاء بالجواهري الكبير مقرونا بالاحتفاء بقامة ثقافية معاصرة يمثلها صاحب الكتاب وهو القلم البارز والناشط في مجال الدراسات الثقافية والانسانية والنقد.
كما تناول ابو رغيف تقديم د.شعبان للجواهري من زواية لم يألفها القارىء كثيرا بلغة لها خصوصيتها التي تعرض تضاريس هذه الشخصية من قرب وعن دراية في حواراتها وفيما تعكسه اراء الاخرين فيها من قريبين او من ناظرين عن بعد، فكان امتزاج ساحة المولد (النجف الاشرف) وسوح النضال على اختلافها، في تعرية الدكتوتارية على تعدد محطات الغربة وعلى اختلاف موانىء السفر المفتوح في افق الثقافة لبث اثار التنوير وإلهاب مشاعل الحرية، افقا اخر يلتقي به الشاعر من جهة والمؤرخ والسياسي من جهة ثانية في النظرة الانسانية للحياة، على النحو الذي نجده ماثلا في هذا الكتاب.
مضيفا.. اننا نؤشر موقفا واعيا في محطة اخرى يؤثثها قلم الاديب الذي يمتح من محبرة السياسة وقد صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة دراسات التي تعنى بمناقشة ظواهر مختلفة ونشاطات جادة في انساق الثقافة المتنوعة تقدم دراسات تسعى الى الكشف عن موضوعات هامة في مجالات تستحق الوقوف عندها والنظر اليها بافق جدير بالتامل والافادة، حيث يتصدى فيه المؤلف للكشف عن شخصية عراقية وطنية اجتمعت فيها ثلة من الصفات والخصائص النادرة التي لايتسنى لباحث ان يرجح احداها على الاخرى بيسر،  فجاء كتابه جهدا ثقافيا جامعا لهذه الجوانب بامتياز، وهو يتناول رجل دولة من الطراز الاول وموظفا اداريا يراكم الخبرة من اجل اداء مختلف، متصرفا مبادرا، سياسيا وصانع قرار، ووزيرا مجددا، وفي الوقت نفسه معارضا لايلين، في مواجهة الانحراف بالنقد والكلمة والموقف، في الصحافة والبرلمان وفي لغة الاحتجاج ايضا.
اما لغة (سعد صالح) الادبية ـ كما يرى الدكتور شعبان ـ فهي تشبه قصيدته العمودية التي امتازت بالعذوبة والعمق، وتحقيق صور الجمال زوالشفافية بتاثير بالغ.. وكان الاكثر ميلا الى الجديد ليس على صعيد الادب فحسب بل على صعيد الفكر والممارسة والحياة.
وادلى الاستاذ عامر حسن فياض / عميد قسم العلوم السياسية في كلية النهرين شهادته قائلا:ـ
بين قلم الاديب وحبر السياسة (هناك عقل يستحق ان يحتفى به وهو عقل حسين شعبان) فالنتاج المعرفي والفكري والثقافي لهذا العقل هو اول من له الحق ان يحتفى به ونتائج هذا العقل سميته ولائم فكرية وثقافية تفتح شهية العقول والميزة الاساسية لنتاج هذا العقل هو امتلاكه مسطرة تحتفظ بالاستقامة، ومسطرة شعبان هي الحقوق والقانون ونتيجة تعامله مع الافكار والاحداث والاعلام، وهو يستحضر هذه المسطرة ليكون مستقيما.
كما أشار الى صحبته مع هذا العقل التي بدأت بقصة طرفيها الاول شعبان والطرف الثاني هي مخطوطة (للفقير لله) عبارة عن رسالة ماجستير عنوانها جذور الفكر الاشتراكي في العراق. والتي عرفناها عن شعبان عندما اعتقل في نهاية السبعينات في النجف حيث كانت هذه المخطوطة من ضمن الادلة التي على ضوئها تم توجيه التهمة لهذا العقل.
وفي نهاية كلمته أثنى على هذه الفعالية .. وتمنى تشجيعها وتكريرها لاننا عشنا في ازمنة نحتفي بكل شيء الا بالعقول.
وكان للروائي والقاص الاستاذ حميد المختار مشاركة اخرى بدئها بتقديم الشكر والتقدير لهذه الدار السباقة في احتضان اساطير الفكر والابداع وتحدث بنبذة موجزة عن نشاطات الباحث والمفكر (عبد الحسين شعبان) وصفه باحد رموز الفكر العراقي الذي استاط ان يلم بكثير من التخصصات الثقافية والفكرية والسياسية، وهو من اوائل الذين طالبوا بصيغة الحوار بين المثقفين والنخب الفكرية والسياسية من الامم الاربعة العربية والفارسية والكردية والتركية. وهي مسألة تتعلق بمستقبل العلاقة بينت شعوب المنطقة كما انه طرح في اكثر من محفل اشكالية العلاقة الشائكة بين السياسة والمثقف وهو يقول في هذا الصدد، لقد جالس السياسيون والحكام على وجه الخصوص المثقفين واحاطوا انفسهم بهم لادراكهم ان الثقافة سلطة اخرى موازية للسلطة العسكرية والسياسية والبوليسية. فالمعرفة سلطة اي ان سلطة المثقف هي معرفته ووسيلته الابداعية لنشر ثقافة وبسط سلطانه.
وعلى هذا فقد حاولت بعض الاصوات المأجورة سلب هذا المفكر اسمه وسمعته وتاريخه من خلال الاتهامات الباطلة وتشويه وتلويث علم مهم من اعلام العراق. ولكن في النهاية لايصح الا الصحيح ويبقى المعدن الناصع البياض ظاهرا ولامعا تحت الشمس فلم تستطيع تلك الاقاويل ان تنال منه لانه ابن العراق واهم مثقفيه ومفكريه بتاريخه الحافل بالجد والتصدي لكل انحراف.
الروائي والناقد (علي حسين عبد) تحدث عن صلته بالمحتفى به فهو مفكر سياسي واديب وناقد وهو حالم مستغرق في احلام عالمه الفسيح  لانه يسبح في اعلام الحرية ويميل الى التسامح ويضع مسافة بينه وبين الاخرين.. ويشكو شعبان من شحة الحريات للعرب وثنائية الصراع بين الفكر والسياسي لانعرف الى اين ستنتهي. فالمثقف المعافى يخشى ان يعادي السياسي فالمثقف يحتاج الى حرية التعبير في البحث العلمي والسياسة.
وكانت هناك مشاركات اخرى عبارة عن قراءات شعرية لشعر الجواهري تلاها الكاتب عقاب سالم طاهر اضفت رونقا جميلا على الحفل كما شارك اساتذة واكاديميون ابدوا فيها آرائهم بهذا المفكر اللامع وعبروا فيها عن سعادتهم باللقاء به والذي جمعتهم به هذه الدار العريقة.. الحضن الدافىء والسباقة في رسم الافكار واستقبال التصالح مع الداخل والخارج .  ومن بينهم د. اثير محمد شهاب ود. فائز الشرع الذي يصف متابعة ابو رغيف لاي نجم لامع فيبدأ بالحلم ثم المتابعة واللقاء والاحتفاء باصحاب العقول النيرة كما فعل مع جمعة اللامي والجوادي وغيرهم الكثير من الاسماء اللامعة في محافل الفكر والسياسة والادب.. وتحدث عن كوكبة الحفل (شعبان) فهو مفكر لم يكن ايديولوجي كما هو موجود في غيره فقد آمن بفكرة الجدل وظل معه وهو متفتح وخير شاهد على ذلك كتابيه عن (الجواهري وهو يتلمس تأثير الحياة عن الجواهري و(الجدل الشعري والحياة) فهو لايفصل نصه عن حياته وحول شعبان هذا الكتاب الى واحة الى كل من يريد ان يستفيد عن حياة الجواهري.
ان د.شعبان ببحوثه الكبيرة يمس الحقيقة في المواجهة مع الماركسية وهو لم يكن عاطفيا اي لم يتلمس بالفكر الغربي المهيمن، وهو شبيه بالدكتور علي الوري الذي يتلمس جوهر الشخصية العراقية، وهو يستحق الاحتفاء والاحتضان من هذه الدار.
وجاء دور المحتفى به د. شعبان ليتحدث عن شعوره بالقلق والارتباك لهذه الاراء والكلمات التي قيلت بحقه وقدم تحية للجواهري وسعد صالح وللسيد داعي الجمال وحاضن الثقافة الاستاذ (نوفل ابو رغيف) ليتم في هذا اللقاء تبادل المشاعر واللقاء مع كوكبة من المسرحيين والادباء والفنانين بمناسبة صدور الكتابين (سعد صالح والجواهري). فكل ماكان في الجواهري يدل على الشعر وكان سعد صالح المثقف والسياسي قد جمع بين الثقافة والقانون وكان وزيرا للخارجية، واشار الى اسماء اخرى لامعة من العرب والكرد.. فالبلد ليس كله مفخخات وعنف ولكنه يحمل روح الانسانية والعلم والتفكير وهي التي ملئت البلد فالجواهري وسعد صالح هي البعض منهم.
وفي ختام الجلسة أشار الاستاذ منذر عبد الحر الى ولادة شعبان التي كانت في 12آذار وهو عيد الربيع وكان حقا ربيعا وشجرة مثمرة من العطاء وله اكثر من 50مؤلفا متنوعة بين الفكر وحاز على عدة جوائز علمية وثقافية.
وقد سامت دار الشؤون الثقافية ايضا بوضع بصمة له عبارة عن درع الابداع قدمه مدير الدار الى الاستاذ شعبان متمنيا ان تبقى هذه البصمة علامة طيبة بعيدة عن خراب السياسة.