الشكوك تحوم حول وفاء الحكومة اليمنية والدّاعمين بالتزاماتهم

2012-09-11 21:27
الشكوك تحوم حول وفاء الحكومة اليمنية والدّاعمين بالتزاماتهم
عن موقع منضمة الونسيف

انتهى مؤتمر المانحين لدعم اليمن، المنعقد في الرياض يومي 4 و5 سبتمبر الجاري في الرياض، برصد 6.4 مليار دولار تعهّـد المانحون بتقديمها لحكومة اليمن، لمواجهة الحاجات الضرورية والعاجلة.

 

إلا أن هذه النهاية، التي عزّزت ثِـقة المجتمع الدولي والإقليمي في الحكومة الانتقالية، لا يبدو أنها  ستُـعزز ثقة الكثير من العارفين بوضع المؤسسات الحكومية وبقدرتها على إدارة موارد المساعدات والمنح الخارجية، خاصة في الظرفية الحالية للبلاد والتركيبة السياسية الحالية للحكومة،  القائمة على التقاسم بين طرفين، يبدو أنهما نقلا تنافسهما من المؤسسة التشريعية والإعلامية وساحات الإحتجاجات الشعبية، إلى أروقة الحكومة التي باتت توصَـف بأنها حكومة ملغومة.

 

تحديات حقيقية 

وفي الوقت الحاضر، يبدو أن حجم المصاعب، الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، والدمار والنتائج التي خلَّـفتها الصراعات والحروب، وانسحابها على رهان العلاقات السياسية بين اللاعبين السياسيين، أكبر بكثير من قُـدرة الحكومة على مواجهتها. فحوالى 10 مليون شخص يُـعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من نصف السكان، يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، والبطالة تجاوزت 40% بين قِـوى العمل والخدمات، كالتعليم والصحة والكهرباء والمياه والصّرف الصحي، مشلولة تماماً، طِـبقاً لِـما أعلنته المنظمات والمؤسسات الإنسانية والمالية الأممية، بأنها تمثل تحديات حقيقية أمام حكومة باسندوة، الذي تعهّـد بدوره خلال المؤتمر، أن حكومته ستُـحارب الفساد المُـنتشر في مؤسسات الدولة بقوة لأن "الإرادة السياسية هذه المرة لمحاربته، متوافرة ولا يحظى بسند سياسي كما كان في الماضي"، على حد تعبيره.
 
مع ذلك، لا زالت قدرة حكومة ما بعد الربيع اليمني، على إنجاز التزاماتها المعلنة أمام المانحين، محل شكوك رغم أنها تضمنت سياسات جديدة أعلنت أنها ستطبِّـقها في إدارة المِـنح والمساعدات الخارجية، مكوّنة من شقَّـين: يتمثل الأول في تنفيذ برنامج مرحلي لتخصيص موارد الدعم  للفترة من 2012 -  2014، يركز على الأولويات القصيرة والمتوسطة المدى، وآليات التمويل، كما قدمته الحكومة. أما الشق الثاني، فيؤكد على التزامها بإطار مبادئ مُـشترك للمسؤوليات المتبادلة بين الحكومة اليمنية والمانحين، مستوحى من مبادئ "بوسان" لتوجيه وإدارة المِـنح والمساعدات، وهو إطار لمراقبة وتنسيق مساعدات المانحين ورصد جهود المساعدات الدولية وتوفير الشفافية والمساءلة وتوسيع المشاركة المجتمعية ودعم الجهود، من أجل تحقيق التنمية المستدامة عبْـر قياس النتائج المحققة.

 

"التعهدات لم تكن في مستوى التوقعات.." 

وفي معرض تعليقه لـ swissinfo.ch بشأن الالتزامات الحكومية وتعهدات المانحين، قال عبدالغني الإرياني، رئيس تيار الوعْـي المدني وحُـكم القانون ونائب رئيس مركز خبراء التنمية والخدمات الإستشارية: "التزامات الحكومة، لا تعني شيئاً وهي مجرّد أقوال. المطلوب، اتخاذ إجراءات حقيقية في إدارة المال العام عن طريق تطبيق مشروع إصلاح المالية العمومية، ليس فقط فيما يخص المنح والمساعدات الخارجية، إنما جميع الأموال العامة وضبط وتخصيص ومراقبة موارد ونفقات الموازنة.. وقد سمعنا مِـثل هذه الدعوات في مناسبات عديدة، ثم تأتي الحصيلة مُـخيِّـبة للآمال، لأن القدرات الإستيعابية للأجهزة الحكومية، محدودة جداً ولها رصيد سلبي في توجيه وتوظيف المساعدات الخارجية".
 
يجدر التنويه إلى أن التعهدات توزعت على النحو التالي:  الاتحاد الأوروبي مبلغ 1ر214 مليون دولار، وفرنسا 2ر6 مليون دولار، وألمانيا 7ر157 مليون دولار، وسويسرا 1ر8 مليون دولار، وبريطانيا 3ر311 مليون دولار، والولايات المتحدة الأمريكية 1ر846 مليون دولار، بينما قدمت المنظمات الدولية ممثلة في الصندوق العربي مبلغ 510 مليون دولار، وصندوق النقد العربي 380 مليون دولار، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد" 41 مليون دولار، والبنك الإسلامي للتنمية 100 مليون دولار، وصندوق أوبك للتنمية " أوفيد" 45 مليون دولار، والبنك الدولي 400 مليون دولار.
 
من جهته، صرح الدكتور صلاح المقطري، أستاذ الاقتصاد والمصارف في جامعة صنعاء لـ swissinfo.ch أن "التعهدات لم تكن في مستوى التوقعات التي تحتاجها اليمن لتنفيذ برنامج الأمن والاستقرار وإنعاش الاقتصاد، الذي قدمته للمانحين والمقدر بـ 12 مليار دولار، والأهم هو الوفاء بالتعهدات، لأن هناك تجربة مخيِّـبة للآمال. ففي مؤتمر لندن عام 2006، تعهد المانحون بتقديم 6 مليار دولار، لكنهم لم يقدموا منها سوى 7%..".

 

".. الفاسدون باقون ومستمرون في الحكومة.."

ومع أن دعم المانحين في الظروف الحالية كان له أثر معنوي على الحكومة الإنتقالية، إلا أن الأنسب، كما يرى المقطري، أن يكون مقترناً بدعم سياسي، لفرض الأمن والاستقرار واتخاذ إجراءات وعقوبات حقيقية ضد المتسبِّـبين بالاختلالات والاضطرابات الأمنية، التي تضرب كثيراً من مناطق اليمن وأصابت اقتصاده  بالشلل، وكذا تطهير إدارات ومصالح الدولة من الفاسدين، الذين هُـم مع الأسف كما يقول المقطري "باقون ومستمرون في الحكومة الحالية، ويتربعون على رأس العديد من مؤسساتها وهيئاتها". ويخلص المقطري إلى أن هناك بون شاسع بين ما يُـعلن عنه المجتمع الدولي والإقليمي بشأن استقرار اليمن ودعمه المطالِـب الشعبية بالتغيير، وبين حرصه على بقاء النخب الفاسدة التي أوصلت البلاد واقتصاده إلى ما هو عليه من سوء، ولا زالت مع ذلك باقية في مواقعها.
 
من جهته، يرى الإرياني أن المبالغ التي تعهَّـد بها المانحون في الرياض، تمثل دعماً سياسياً، وليس اقتصادياً وتنموياً، مشيراً إلى أنها موجَّـهة لتلبية الحاجات المُـستعجلة والملِـحة ولإنجاز مهام المرحلة الإنتقالية التي تتواصل حتى شهر أبريل 2014، وأنه مع غياب الخبراء الأجانب الذين سيُديرون تلك المساعدات، فلن يتم صرفها، لأن الوضع الأمني الحالي لا يسمح بقدومهم إلى البلاد، كما أن الحكومة مشلولة بانقسامها.

 

تقاسم غنيمة السلطة 

ومنذ تنصيب حكومة باسندوة في أواخر ديسمبر 2011، يغلب على العلاقة بين أعضائها الموالين للرئيس المخلوع صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام والمحسوبين على الثورة من أحزاب "اللقاء المشترك" و"تحضيرية الحوار الوطني"، التوتر والمماحكة اليومية من جهة، والصراع على تقاسم الوظيفة العمومية على حساب الإستحقاقات للخبرات والكفاءات المتراكمة من جهة أخرى.
 
وقد تراجعت حظوظ هذه الأخيرة تحت ضغط التسابق المحموم، تقاسم غنيمة السلطة، الذي أعاد تذكير اليمنيين بتقاسم السلطة والوظيفة العمومية بين الإئتلافات المتصارعة للمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي خلال الفترة الانتقالية 1990- 1993 والإئتلاف الثلاثي بين المؤتمر والاشتراكي وحزب الإصلاح، الذي انتهى بحرب 1994، ثم الائتلاف بين المؤتمر والإصلاح حتى عام 1997.
 
وخلال كل تلك المراحل، تحوّلت مؤسسات ومرافق الدولة إلى ساحات للمنافسة والإستقطاب السياسي الحزبي، حيث هيمنت المصالح السياسية وتعطَّـل أداء المؤسسات وتراجعت المصالح العليا للدولة والمجتمع، أمام هيمنة مصالح الأطراف السياسية المتصارعة.

 

إصلاحات عاجلة بحاجة إلى فكر خـلاق

وفي الوقت الحاضر، يبدو أن التنافس السياسي بين مكونات التشكيلة الحكومية، هو المهيمن على العلاقة بين أعضائها، في الوقت الذي يحتاج فيه نجاح استيعاب المساعدات الخارجية إلى "إصلاح بيئة قانونية وتشريعية وتنظيمية وإدارية، وإصلاحات اقتصادية ورسم سياسات ووضع خطط وبرامج تنفيذية للحاجات المُـلحة والعاجلة وإعطاء الأولوية للعمل الإنساني والقيام بجهود كثيرة"، وِفقاً لما ورد في البيان الختامي للمؤتمرين. 
 
في المقابل، لا يمكن أن تتحقق كل هذه المطالب، إلا في ظل وجود حكومة متجانِـسة متعاونة بين أعضائها، لكن المشهد الحالي مناقض لذلك تماما حيث أن كل طرف يحمِّـل الآخر تبِـعات الاختلالات الأمنية وعدم استقرار الأوضاع  في البلاد، ويعمل على عرقلة وإفشال سياسة خصمه. وأمام هذا المأزق، الذي تستحضره ذاكرة اليمنيين من تلك التجارب، هل يمكن أن تنجح الحكومة في تعافي الإقتصاد واستعادة الأمن والاستقرار عبْـر توجيه المبالغ المرصودة للتنمية؟
 
يرى الإرياني، رئيس تيار الوعي المدني، صعوبة تحقيق ذلك في الوقت الحالي، مع وجود حكومة منقسمة وغير منسجمة، لكنه يدعو إلى التفكير بطرق جديدة خلاّقة، للإستفادة من الدعم والمِـنح الخارجية. وحسب اعتقاده، فإن أقرب الطرق إلى ذلك هي "الإبتعاد عن المركزية وتوجيه المساعدات إلى برنامج الأشغال العمومية عبْـر المجالس المحلية والبدء بمرحلة جديدة من تأهيل المكوّنات المحلية واختبار قدراتها في إدارة الشأن العام، والتخلّي عن المركزية الشديدة، التي كانت السبب لما تُـعانيه البلاد من مشاكل طِـوال المراحل الماضية".